Tuesday, March 23, 2010

فلسفة ....عبد القادر وتجربة الثلاجة

في الثلاجة
هكذا قالها وزير العزيز وعلي وجهه ابتسامة ابوية عزز من ابويتها شيب اعتري رأسه وعينين حانيتين رأت هذا الموقف عشرات المرات حتي اعتادته
فانطلق رده حتي قبل ان يتحدث له العزيز بما اعتري الفتي من مشاعر
هكذا برمج الفتي عبد القادر نفسه لاستقبال تلك المقولة ...في الثلاجة لينطلق بعدها الوزير
متحدثا بعدها عن الملل وعدم الاهتمام الذي يلاقيه الفرد الذي يوضع في الثلاجة من التاسعة صباحا حتي الخامسة عصرا يوميا
وعلي الرغم من ان هذا الموقف اراد ان يعمل عمله بنفس عبد القادر الا انه
طلب كوبا من قهوة الفرنجة المشهورة بالنسكافيه لعله يبتلع مع تلك الرشفات الساخنة ذلك الاحساس القاتل الذي يخبره انه في مكان وزمان خاطئين


لنكتشف احاسيس الفتي
تخيل انك مكان عبد القادر
تجلس داخل ثلاجة
بلونها الابيض الداخلي الملائكي ...كل شئ مصطبغ بالبياض
حتي الهواء البارد الذي تتنفسه ابيض
حتي الهدوء القاتل بالداخل ابيض
حتي البرود الذي تشعر به ابيض
اي ملل يعتريك
حتي لو كنت محاطا بانواع مختلفة من اللحوم ....قبل ان تسارع باعتبار اللحوم شئ جيد
من قال ان المتعة تكمن في اللحوم
حتي لوانك تستطعم اللحوم وتحبها بشكل او باخر
لكن في هذا الوضع الغير مريح اطلاقا هل تظن ان تجدها تسيل لعابك او تستتفز جوعك الشديد ....لا اظن
وفي اللحظات القليلة التي تتقبل ان تمد يدك اليها فتشعر كم هي باردة فتضعها مكانها استشعارا منك انها ستكون سيئة الطعم
حتي يغلبك الجوع والطموح فتمد يدك مغمضا عينيك عن امور كثيرة
اولها كم هي باردة
وغير طازجة
فتضعها في فمك قاهرا لنفسك لتجدها بالاضافة لما سبق مستعصية علي المضغ فتبتلعها رغما عنك فتقف مسببة غصة في حلقك
فتفتح الباب للحظة لطلب كوب من قهوة الفرنجة فتشربه لعلك تبتلع ذلك الموقف
او تغير حرارتها برودة ذاك المكان
ثم تغلق الثلاجة مرة اخري
وتنتظر
هكذا ينتظر عبد القادر
لعل احدهم يعرف انه يعشق الفاكهة اكثر من اللحوم فيفتح الباب واضعا له طبقا من الفاكهة ورغم ان انتظاره يطول
لكن كل يوم يأتي هذا الذي رأه يوما وهو يضع بعض البذور في حديقته
فيتقل له طبقا مما انبتته هذه البذور التي رعاها غيره فيكون سعيدا لان هناك من يحمل علي عاتقه هم رعاية تلك البذور
ويتذوق تلك الثمار وان كانت قليلة وهو في قمة الاستمتاع وحين ينتهي يعود الي حالته الاولي واحاسيس الوحدة
اضف الي ذلك احاسيس الغربة المعقدة فهي مكانية وفكرية واستشعاره انك لاينتمي الي هذا المكان
هذه ليست الحياة التي يريدها رغم انها محاطة طوال الوقت بالخيرات
للحظة تخيلت الموقف
بل والادهي والامر حين يخبره مراد الخضر الذي يؤمن عبد القادر بذكاءه وحنكته وخبرته وفكره ان عليه ان يكون هنا في هذا الوقت وعليه ان يهتم بذلك اللحم البارد علي نفسه بل ويقدم هذا الاهتمام علي ثمار الفاكهة مبشرا اياه بانه يوما سيحقق ما يريد هكذا يقرأ الخضر امارات العظمة المرسومة علي وجهه الصامت دوما

ربما هي تجربته الشخصية التي تدعو ه لاقناع عبد القادر بهذا وربما لنفس السبب وافق عبد القادر علي المرور بتجربة الثلاجة

بل لسبب اكثر اهمية من ذلك ....ان مراد يعتلي ظهر احد تلك الافراس المتمركزة اقرانها خلف شاطئ الغيب
وفي احدي يديه سيف وفي الاخري قنديل يضئ ليل المدينة

وقد جلس قبل اعتلاءه الفرس في الثلاجة لمدة علي الثلاث سنوات قد تزيد

فيصرخ عبد القادر في صمت
ويؤلمه ان تلك الافراس المتمركزة علي شاطئ الغيب تتنظر بعضا من ثمار الفاكهة

رأي تلك الافراس كومضة في الخيال

ترمقه في شوق وهو جالس في الثلاجة
تشتاق لان يخرج يعتلي ظهرها فيرعي تلك البذور علها تنشئ مزيدا ممن يعتلون ظهور اقرانها المنتظرين
فينبض قلبه بقوة ...متذكرا انه لن ينجو حتي يدعو الله مخخلصا كما يدعوه طفل غريق
ربنا ليس لنا الا انت فدبر لنا امرنا
ويظل قلبه نابضا مستشعرا قول الفتاة *التي قالت بينك و بين الكفر بالانتماء للأحياء رب و دين ، و قوانين تحتم انتصار إرداتك و لو بعد حين


اسلام العدل


******

مها عمر في نوت دروشة
http://www.facebook.com/islameladl?ref=profile#!/note.php?note_id=10150138812760445&id=652978562&ref=mf

Saturday, February 20, 2010

من قيم جيل النهضة

من قيم جيل النهضة 1
قلم / اسلام العدل

ايمان بالله :

يصل الانسان بربه ليصلح حاله علي الارض وينظم حياته فيسير بجسمه علي الارض متوجها بروحه الي السماء .مما يؤدي الي ثقة الانسان بنفسه الموصولة بالله الخالق لانه يستمد القوة منه ويهتد بهديه ويسير علي نهجه وتللك القدرة الالهية نفسها هي التي تمنعه من الاغترار بنفسه لعلمه بقدرة الله القاهرة .
ويكتمل الايمان باخلاص العبادة لله والتجرد له في كل قول وعمل فالعبادة ليست محصورة في فروض بعينها بل تشمل كل نواحي الحياة ....
فطريق جيل النهضة كله عبادة ...والفروض هي زاد الطريق
اما التسليم لله فهو يطلق النفس للعمل مزيحا التردد الناشئ عن الخوف والجمود الناشئ عن العجز من مواجهة الاحداث.

تنمية واعمار الارض :
لا تتوقف الا علي الانسان الفعال الصالح المصلح الذي استحق تكريم الله له بالاستخلاف وهذا الانسان اهم ما يميزه ايجابية سوية وشعور بالمسؤلية الفردية نحو المجتمع
اما عن الايجابية السوية فهي التي تجعل من صاحبها قوة فاعلة موجههة دافعة للامام تعمل علي اعمار الارض وتغيير واقع البشر مؤسسة انطلاقتها حسب منهج امر بمعروف ونهي عن منكر مشبعة بايجابيتها السوية شعورها بالمسؤلية الفردية نحو المجتمع وذلك في اطار من الحرية المسؤلة .

انسانية وتعايش :
ان صلة الله بخالقه تؤدي الي اعلاء قيمة الانسانية فالناس جميعا يردون الي خالقهم فتظهر اهمية العمل المجتمعي في الحفاظ علي الانسانية وتعلو قيمة احترام الانسان وتقدير الرأي الاخر مما يؤدي الي تعايش بين الفئات المحتلفة وهو تعايش مشروط بترسيخ الهوية والاعتزاز بها ।وهذا التعايش وتلك الانسانية هي التي تحقق التوازن المطلوب بين الفردية والجماعية



فباعلاء قيمة الانسانية لا تطغي المسؤلية الفردية علي المسؤلية الجماعية وباحترام قيمة التعايش لا تطغي المسؤلية الجماعية علي الفردية محققة بذلك التوازن المطلوب للنهوض

ايمان بفكرة النهضة : ان النهضة تحتاج الي امل في تحقيق حلم واعمال عقل في دراسة امكانيات الواقع ووضوح هدف والتخطيط له بدقة والعمل من اجله بجدية واستمرارية وثبات في مواجهة الضغوط وتعلم مستمر يؤدي الي تجاوز العقبات وايمان لا ينقطع في ان الارض يورثها الله عباده الصالحين هؤلاء العباد




يميزهم الاستعداد الدائم للصعود لان يتفوقوا علي انفسهم مرتفعين علي الواقع بغية تحقيق علي مبادئهم مطورين في وسائلهم محترمين النظام الذي يجمعهم

Thursday, January 21, 2010

فلسفة ..أااهٍ لو تمتلك الفراشات عقول

فلسفة... بقلم م/اسلام العدل

كثيرا ما نري حول اعمدة الانارة في الشوارع مجموعة من الفراشات التي تصطدم بالمصباح مرات عديدة
وتظل تدور حول مصدر الاضاءة وتعود للاصطدام كلما استجمعت توازنها لتصطدم بالمصدر المضي من جديد

دعونا نعيد تقييم الفراشة في الحالة التالية
اذا كان امامها ثلاث مصادر للضوء والحرارة

الاول : نار مشتعلة
الثاني : مصباح زجاجي اصفر (حرارته اعلي من الابيض).ز
الثالث: مصباح مطاطي ابيض مضئ

اذا كان للفراشة عقل فلنتخيل هذا
اي المصادر ستتجه نحوها


هل ستتجه نحو النار لتحترق ام انها ستعتبر هذا قمة الانانية والذاتية لان النار بالنسبة لمعايير متعة الفراشة بالضوء والحرارة هي الاعلي

ام ستتجه نحو المصباح الزجاجي الاصفر لتصطدم بالزجاج فتنكسر اجنحتها وتلتهب اقدامها من محاولة الوقوف علي المصباح شديد الحرارة ام انها ستعتبر هذه التضحية ف اتجاه خاطئ من اجل متعتها فحسب

ام ستتجه نحو المطاطي المضئ فتصطدم به فيمتص اصطدامها وتقف عليه فلا تحرقها حرارته فتستمتع بلا الم او احتراق


فاذا كان هدف الفراشة الوصول الي مصدر الضوء فهي في الثلاث حالات قد وصلت لكن حالة واحدة فقط لم تكن هناك خسائر و تضحية خاطئة مع تحقيق الهدف الذي ظل متسما بالانانية والمنفعة الفردية

وفي الثلاث حالات وضعت الفراشة لنفسها مستوي اول من المعايير فهي تنجذب الي الضوء والحرارة وهذا ما نطلق عليه بلغتنا الاعجاب او الحب من النظرة الاولي ..او الانبهار من الاخر

اما المستوي الثاني من المعايير تضعه فقط اذا ما ملكت عقل وهنا المعايير هي عدم الاحتراق ولا الالم مع تحقيق الهدف او تحقيق الهدف باقل خسائر ممكنة وهنا تكون الحالة الثالثة هي انسب الحالات وانجحها لكنها تظل متمسكة بمنفعتها الفردية دون غيرها

اما اذا كانت تملك رؤية مجتمعية اخلاقية فستستبدل الثلاثة بالذي هو افضل لها ولمجتمعها
بان تدير عينها عن هذا النور الخادع وتبحث عن فراشة من بني جنسها من النوع المضئ فتلازمها فتستمتع بنورها ويتكاثران ليضيفا الي مجتمعيهما جيلا جديدا من الفراشات المضيئة التي اكتشفت هويتها وان نورها ذاتي لايحتاج لحلول خارجية ويكف هذا الجيل الجديد عن الاندفاع وراء النور المحرق الخادع البراق لانه ادرك البعد المجتمعي الاخلاقي । للحياة

فأااااهٍ لو تملك الفراشات عقول
م/ اسلام العدل
२१/०१/2010
*******************************
هامش معلوماتي: عن الفراشات المضيئة
وتعيش هذه الفراشات في دول وسط وشرق أفريقيا وتتميز بأجنحتها السوداء ذات الشرائح الملونة بالأزرق واللون التركوازي.

وهذه الأجزاء الملونة هي التي تقوم بمهمة ارسال الضوء، اذ أنها تتشرب الأشعة فوق البنفسجية ثم تعيد بثها عن طريق الزغب الصغير الموجود في الأجنحة. رسالة بضوء الفلورسنت من أجنحة الفراشة ويتميز هذا الزغب الموجود في الشرائح الملونة من أجنحة الفراشة، بأنه يوجد على مساحات تشبه المرايا مما يعكس الضوء بوضوح أكثر.

Saturday, January 9, 2010

طريق النهضة...لد.جاسم سلطان



الشباب يسأل هل سيتركوننا ننهض!! والضمير هنا يعود لقوى متعددة، شاع في الفكر الإسلامي المعاصر أنها هي سبب ما نحن به من ضعف.وبالتالي انعكس خطاب المؤامرة من أداة لتجريم الآخر لأداه لنزع السلاح النفسي للشباب العربي والمسلم! الشباب يسأل ما دورنا في النهضة ؟ ما هي الواجبات التي يجب أن نلبيها لتحدث النهضة ؟ والسؤال هنا في غاية الأهمية ما لم يكن مطلب للتعجيل بإجابة من نوع سريع بسرد قائمة من الاحتياجات الآنية دون إطار معرفي حاكم. وأنا هنا لا أتكلم عن موسوعة معرفيه قبل البدء، ولكن ساعة من الزمن من إتقان الفهم ،وبعدها فليكن الانطلاق للعبادة بمعناها الواسع .
و في ضوء السؤالين السابقين أصبح أمامنا مهمتان واضحتان:
* فك مشكلة اليأس.
*المساعدة على تحديد الأدوار وأولوياتها.
ويعترض موضوع الإقلاع تحدي جوهري متعلق بموضوع الصبر. الشباب في غالب الأحوال لا يمتلك أداة الصبر. والصبر ضروي على الأقل لمدة ساعة، قبل الإقتراب من زحزحة هذين السؤالين الكبيرين، وليس ذلك غريبا على الشباب ولا على العصر أن ينتج هذا النمط من التفكير! بل أن التعليم المدرسي بات الآن يقدم كوجبات سريعه، فكيف بغيره!؟ والغريب أن يصبح هذا النمط سائدا في أغلب قطاعات المجتمع، وعلى جميع المستويات. فتجارب النهوض الكبرى من اليابان أو الصين أو الهند أو تركيا أو ماليزيا أو سنغافورة حاضرة للقراءة، وجوهرها بنية تحترم هويتها الذاتية ولا تخاصمها، وعناية بالعلم والمشاركة فيه، وعناية بالعمران طالت كل نظم الحياة، وبناء قدرات ذاتية للدفاع عن هذه المكتسبات. ولكن حين ننظر لتطبيقات التحرك للنهضة في المجتمعات العربية سنجد تشوهات كبيرة في المساحات الأربعة. سنجد كراهية للذات الحضارية وانتقاص مستمر من قوة الهوية.نجد نظرة للعلم قاصرة تضيفنا لقائمة المستهلكين للعلم لا المنتجين له.
فلا تعدوا علاقتنا بالعلم التبضع من معروضات الأمم الأخرى.نجد قصور في تطوير المنظومات القيمية المحروسة، والمنظومات القيمية المرجعية وتطوير نظم الحياة معها. والاكتفاء بعمران الحجارة والإسمنت. سنجد استقالة من بناء القوة الذاتية، وتنميتها للدفاع عن أي مكتسبات والاستعاضة عنها بمنظومات هشة سرعان ما تتبخر عند أول اختبار. ولعل شيئا من ذلك راجع لاستسهال الحلول والاكتفاء بمقاربات سطحية لعمليات التحولات الكبرى. وانظر كيف تقزم مفهوم التنمية البشرية عندنا ليصبح مفهوما يعتني بالمكملات على حساب الجوهر! انظر لبرامج التدريب التي تقدمها أغلب برامج التنمية البشرية في بلادنا ستجدها نسخا من برامج التدريب التي تقدم في أمريكا وأوروبا.
هي هناك عمليات صنفرة أخيرة لمنتج عقلي سهرت عليه مؤسسات البيت والمجتمع والإعلام والمدرسة. فصاحبنا هناك تم تركيب النظم المعرفية التي تناسب الدور الذي يحتاج أن يقوم به، ويحتاج بعدها فقط لصقل المهارات فالأمر مفهوم. أما نحن فنعيش في بيئات فقيرة في مدخلاتها المعرفية، ونتعرض بعدها للعالم الخارجي برياحه وأعاصيره فما ينقصنا ليس المهارات وحدها ولكن منظومة معرفية مركزة أولا، ومن ثم تتويجها بالمهارات. ولكن ككل شئ في حياتنا نترك الجوهر ونتمسك بالقشور (روح الإستسهال). ولندخل في صلب الموضوع ... من السهل أن نقول للشباب هذه قائمة الواجبات. سدوا لنا هذه الثغور، ولن نعدم بعدها خلافا: حول من حدد هذه الثغور؟ وعلى أي أساس تم تحديدها ؟ وعلى ذلك يلزم عمل تحرز مسبق حتى لا نعود لنقطة الصفر في كل مرة ! ولبيان ذلك نحتاج لتوضيح عدد من النقاط. وسنقدم لها بسؤال ما الفرق بين الشاب الصيني والعربي اليوم في موضوع النهضة من ناحية التفكير والدافعية؟ ففي وضع الشاب الصيني هناك دولة قد حددت مشروعا كبيرا. مخططا عاما لمسارات عالم الأفكار وعالم العلاقات وعالم المشاريع. وعندها فالشاب المهتم بفكرة رفعة الأمة الصينية سيجد طريقة لتوظيف موهبته في داخل المشروع، ولن يسأل عن الجدوى لأنه يعلم أنه جزء من مشروع متكامل الأركان. نقطة الانطلاق والرؤية الكلية متوفرة للجميع وبالتالي لن يسأل أحد عن المعنى والغاية وهي الجزء الأهم في الدافعية والنشاط والتجويد والتحسين.
أما شبابنا ( القطاع الذي يفكر منه) من يطلق عليهم فئة المهتمين وهم عماد نهضات الأمم، فيجد نفسه أمام سؤال حائر! أين يجب أن أوظف طاقتي؟ وأي المشاريع ستعني شيئا لمسار لم تتحدد معالمه؟ وما الجدوى من العمل الفردي الجيد أو حتى المؤسسي الجيد في وسط غياب تام للمشروع الكلي الحاضن!؟ هكذا يضيع المعنى بغياب المسار وتضطرب الصورة ويفقد الشباب فاعليته وقدرته على التجويد والتحسين والإبداع فهو دائما يتساءل (ما الجدوى؟) أو ما يقابلها باللهجة الدارجة. لكن هل نهضات الأمم تمت فقط تمت باحتشاد الدول بشكل مركزي وتوفير المناخات الرائعة للعمل والإنتاج؟ هل هناك سيناريو آخر منتج وقابل للتطبيق يخرجنا من مسار الحيرة في غياب المشروع العام الذي تقدمه الدول أو ضعفه (فقد يكون هناك مشروع عام ولكنه ضعيف لم يتحول لقوة دافعة ومحركة للمجتمع، مشروع رهن الأدراج وليس مشروع تحريك عقول وطاقات).
هذا هو المسار الذي يجب أن نكتشفه في هذه المرحلة من عمر الأمة، ونستوضح معالمه. وهو ما ستحدث عنه قبل الحديث عن قائمة المهام التي تنتظر أبطالها لأن قائمة المهام ستتعرض لذات السؤال (ما الجدوى) لو قيلت بدون مقدماتها ! لو نظرنا في المسار الإسلامي سنجد مرحلته الأولى وهي مرحلة البذور التأسيسية للنهضة في مكة مرحلة حبلى بالأفكار التي شكلت افتتاحية العصر (اقرأ ...القلم ...انظر ...تدبر...برهن...حاور مقولات الأقدمين ولا تقدسها...السببية ...الترابط ...الكون الذي يعرض نفسه للقراءة ...مفهوم الكرامة الوجودية الإنسانية...مفهوم العدل ...مفهوم الإحسان...مفهوم الشورى ...مفهوم المساواة ...مفهوم الجزاء ...وامتد مفهوم الأمم ليشمل كل المخلوقات فكلها أمم وكلها لها حقوق) قائمة طويلة من الإصلاحات ضخت في المجتمع المكي ومن بعده المجتمع الإنساني، في فترة قصيرة من الزمن.فكيف استقبلها هذا المجتمع؟ كلنا يعرف القصة والصراع عبر الثلاثة عشر سنة الأولى من المشروع. ولم تكن رحلة الشافعي وأبو حنيفة وأحمد ولا البخاري ولا الحارث المحاسبي ولا المعتزلة ولا الأشاعرة ولا جابر بن حيان ولا الرازي ولا ابن سينا ولا ابن تيمية ولا ابن الهيثم ولا ابن خلدون رحلة سهلة، ولا ولدوا في عصور احتضنت إبداعاتهم وحددت وجهتها في مسار احتشاد تقوده الدولة (لم تكن قد ولدت بمفهومها المعاصر بعد) فلكل من هؤلاء العظماء قصة ألم في عصره.
هنا سنجد المبادرة الفردية أو شبه المؤسسية حاضرة وهي التي أعطت المعنى والروح للحضارة وهي التي بعثتها. ولو نظرنا لمسيرة التطور في أوروبا من سقراط لروجر بيكون لكوبرونيكس لجاليليو ولديكارت و لسالوس للافاوزيه،سنجد كل هذه الإبداعات والمساهمات الفردية تمت في بيئات صعبة. و كل هؤلاء ساهموا في صناعة النهضات في مجتمعاتهم في ظروف صعبة لم يكن هناك فيها خطة مركزية لإحداث التحولات. ولكل منهم قصة ألم في عصره رواها التاريخ، كانت أشبه بقطرات كل منها يضيف بعدا جديدا للحياة ويحدث زلزالا من نوع ما، موجات مد (تسونامي) له ما بعده. إنها مبادرات صغيرة ومتوسطة وكبيرة ولكنها لم تصل لاحتشاد الدولة . دعونا نطلق على هذه المسارات التي تلعب فيها المبادرة التي لا ترعاها الدولة مباشرة (مسار التراكم ) وهاقد رأينا نموذجين له من حضارتين مختلفتين:هو مسار فردي بامتياز ( وعندما نقول فردي نقصد به ما دون الدولة وإلا قد يأخذ أي شكل ابتداء من الإنسان الفرد المبدع أو الفرد الذي ينشئ مؤسسة وبنية يقوم من خلالها بدور أو حتى مبادرة جزئية تتبناها الدولة من غير مسار كامل). ذلك هو أول المفاهيم التي يجب الإستيثاق من فهمها.
هو إجابة على سؤال المسار الذي نتحرك فيه كأفراد (في غياب مشروع جامع مركز كالذي أنتجته الصين أو ماليزيا أو سنغافورة ) وهو سؤال يلقي بعبء كبير على النخب وعلى الشباب، ولكنه مسار بناء. وهو يحتاج لرؤية يتحدد من خلالها شكل المستقبل الذي يراد إنتاجه. أي المجتمعات نريد بناءه؟ وما الذي يعوق هذا المشهد من التبلور! وهذه الرؤية ستحدد لنا ما الذي يلزم استصحابه من التراث وما الذي يجب تركه. وحتى لا يطول بنا القول دعنا نتصور أن إجابة هذا السؤال حاضره. نريد مجتمع مرجعيته محكمات الإسلام. نريده مجتمع الفضيلة والعلم. نريده مجتمع القانون والعدالة. نريده مجتمع الشورى. نريده مجتمعا له هوية. مشترك في الإبداع العلمي. فيه نظم صالحة تحقق الكرامة الإنسانية للجميع. قادر على الدفاع عن نفسه.
رؤية مثل هذه ستعني الكثير من المراجعات. ولنأخذ نموذجا واحدا نطل منه على حجم المهمة التي تنتظر الجميع وهي (نريد المجتمع العالم) في حال الإجابة بنعم على الرؤية السابقة، إنها ستعني مراجعة جذرية للتراث والتأكد من أن ما نتداوله اليوم منه لا يشكل خصما من فكرة المجتمع العالم. فلو فرضنا أن جزء من الوعي العام في التراث، أقول لو فرضنا ذلك، يقول أو يؤدي إلى التهوين من العلوم التطبيقية بأي شكل من الأشكال، أو يصادر فكرة السببية نصا أو روحا، أو يجرم التساؤل ويطالب بالتسليم ألسكوني نصا أو روحا، أو يعلي من شأن الأمية نصا أو روحا، أو يخلق مجتمعا يقوم بإرهاب المختلف فكريا لمجرد الاختلاف. عندها هل سنبحث عن تؤيلات لمثل هذه الأقوال وسنبقيها في فضائنا الذي نصنعه أم سنعمل على تنقيته منها!؟ تلك لعمري مهمة تحتاج للكثير من التجرد والإخلاص لله وللحقيقة. وهي تلقي بسؤال على الحاضر أيضا، هل مساراتنا المعرفية اليوم تنتج لنا ما نريده من مجتمع العلم والمعرفة؟ وهل نظمنا التربوية تحررت من التقليد التنميطي أم هي تعيد إنتاج التخلف في قوالب جديدة؟ ولو صادف إننا اكتشفنا ذلك، هل سنعمل على التغيير أم سنستمر في ذات المسار!؟ وقس ذلك على بقية المسارات التي تحتاج لتحرير على مستوى التراث الحي أو على مستوى الممارسة العملية. وهذه المهام كلها تحتاج من يتصدى لها، بل تحتاج لجيل من الكتاب والمفكرين. وهي مهمة تنتظر الشباب بفارغ الصبر وليكن عنوانها ( كن مشروعا) أو (كون مشروعا) أو ( ادعم مشروعا ).
كن مشروعا: فهذا سيصبح علما في المجال التراثي، وهذا سيصبح علما في مجال العلوم الإنسانية، وهذا سيصبح علما في مجال العلوم التطبيقية.مسار يتفتح على مهام لا حصر لها. كل بطل سيصبح لسانا للمرحلة الجديدة افتتاحية عصر في مسار الأمة. لن يعيد تكرار ما قيل، بل سيفتح آفاق السؤال في قارات المعرفة يرتاد بنا صحاري لم تطأها إقدام وسماوات و وهاد وسفوح وكهوف. رواد في خارطة معرفية جديدة تمثل امتدادا وانقطاعا في ذات الوقت. وهل قصة الحضارة في جوهرها إلا قصة هؤلاء الذين لم ينتظروا إذنا من أحد ولا شهادة مرور! أبطال اقتحموا العصر، نفذوا لروح الحضارة وتواصلوا معها. وهي روح متمردة تقر بالصيرورة وليس بالنهايات. لا يأتي احد بجديد إلا وأتت بأحسن منه. فكل حل هو بداية لسؤال وكل سؤال هو بداية لحل (أيكم أحسن عملا).
كون مشروعا : ذات المهام يمكن أن تكون لها وهو مستوى أكبر من الجهد هنا تنشأ المجموعات المبدعة، والمؤسسات المبدعة، تتخصص وتغطي قدرا من الإحتياجات لا يمكن القيام بها بشكل فردي. وهي تغطي مساحات وجوانب الفكر والمال والإجتماع. إنها تعمل حيث تجد النقص وتعمل في حدود ممكناتها، وتعمل من ضمن الرؤية الكلية التي تحدثنا عنها. وحسبها معرفة الرؤية ومعرفة المسار. فهنا شخص سينشئ مركزا لبحث، وهنا شخص سينشأ مؤسسة للتعليم النوعي، وهنا شخص سينشئ مركزا للتدريب النوعي، وهنا شخص سيطور اختراعا، وهنا شركة ستتبنى اختراعا وتوصله للسواق، وهنا مؤسسة لن تقف بالعمل الخيري عند سد حاجة المعوزين والبطون الجائعة، بل ستنقلهم من انعدام الفاعلية للفاعلية.


ادعم مشروعا: وكل المشاريع تحتاج لروح جماعية من الدعم بالجهد والوقت والمال. ولكل دور في طريق التراكم النهضوي. فمن يستطيع العمل بمفرده له دور فليكن، ومن يعمل مع غيره فليفعل ومن يستطيع أن يقدم الدعم لمن يعمل سواء كان فردا أو مجموعة فليفعل.
هنا من يملك الفكرة سيقدمها ويحسبها نصيبه من التطوع، ومن يستطيع تحويلها لمشروع سيحولها وهو نصيبه من التطوع، ومن يستطيع تمويلها سيفعل وهو نصيبه من التطوع، ومن يستطيع ومن يستطيع كل شئ قابل للتطوع وكل يزكي مما بلغ فيه النصاب. وهنا يأتي السؤال المعرقل هل سيتركوننا نعمل؟ حين نتأمل في السؤال يبدوا مشهد مركب من نظرية المؤامرة ومن اللا منطق ومن فقدان الروح.
أما نظرية المؤامرة فقد كرستها كتابات كثيرة جعلت الواقع يبدوا مستحيلا، وهي بدل أن تفضح مخططات الخصم حولته لوحش لا يقبل الهزيمة. جدار مصمت من الذكاء والشر غير قابل للتحدي.إن جوهرها يقول (أنج بنفسك واترك العمل فالشباك والشراك لا يفلت منها أحد) هي سلاح اخترعه بعض الصالحين بحسن نية أو قل بسذاجة متناهية، فأصبح هو أداة القعود. هو شكل من التهويل يقود للهلاك ولكن قلب نظرية المؤامرة لو خففناها لحدود العقل، هي أن الملعب مليء بالمصالح المتناقضة، وأن كل لاعب يخطط ويحتال ليفوز فريقه.
وهنا يدخل عنصر اللامنطق ليطالب بقية الفرق أن تسمح لنا بأن نسجل أهدافا في مرماها، ونرجوها أن توقف لا عبيها من التسجيل في مرمانا! هل يمكن لفريق يفكر بهذه الطريقة إلا أن يكون هازلا!؟ وهل الدخول للحضارة يتم بالتسول وبهذه العقلية!؟ هذه نظرة ... والنظرة الأخرى نحن أشبه بمن لم يدخل الإبتدائية والإعدادية والثانوية والجامعة والماجستير والدكتوراه وهو قلق على أن لا يسمح له بأن يخوض فيما بعد الدكتوراه! من يمنعنا أن نمارس الذوق! من يمنعنا أن نحترم الإختلاف! من يمنعنا من أن نمارس النظافة! من يمنعنا أن نعتني بمدارسنا وجامعاتنا! من يمنعنا أن نحترم كرامة الإنسان! إن مهام النهوض الكبرى هي من الممكنات وليست من الأمور التي تستدعي القلق. ولكن اختلاط الأوراق يسمح لكثير من الأوهام المعطلة أن تمنع الإنطلاق. وأخيرا ماذا نفعل ؟ على الأرض وفي واقع الحياة الواجبات تتشكل من خريطة واسعة من الأشياء التي نحتاجها.
وكم من الأشياء الجميلة في الإسلام تشهوت بفعل إفهام العصور حتى لم يبق منها إلا المسميات. أسماء وذكريات ...هل نذكر (إقرأ) التي فتحت عقول البشرية كيف اعتراها الكلال عندنا وقتلت روحها وهي السؤال المفتوح على المعرفة، والتي تجعل كل سؤال هو بداية جواب وكل جواب هو بداية سؤال. هل نذكر (وكلكم آتيه يوم القيامة فردا ) كيف تم التصرف فيها حتى أصبح الإنسياق وراء السائد دينا دون وعي بالمسؤولية الفردية. هل نذكر ( ما كسبت يده ) كيف يتم احتقار العمل اليدوي! هل نذكر قيمة العدل والحرية والمساواة والشورى!! وما آلت عليه في خير أمة! كيف انتصرت نظرية الجبر ونظرية فك الأسباب عن النتائج! ففقد إنساننا فاعليته وخرج من التاريخ.
كيف نمتلئ بالغرور وواقعنا يدعوا للرثاء ويصدق فينا قول الشاعر(دع المكارم لا تذهب لبغيتها ...واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي) فمن تصحيح العقائد وتجديد النظر فيها، مرورا بالعبادات وتفعيلها وتفعيل دورها الحضاري وتحديد القيم الحضارية المطلوبة، سواء المرجعية منها والمحروسة، وتجديد المنظومات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التعليمية والإعلامية والصحية والبنى التحتية وانتهاء بنظم الدفاع الاستراتيجي ومنظومات القوة المصاحبة لها كلها مهام تنتظر من يقوم بها. وبالتالي فكل جهد فكري أو مادي أي مترجم لمشاريع ملموسة فهو خير. ولكن يبقى السؤال ما هي أولويات المرحلة؟ إن أول الأولويات للشباب تكمن في أمرين ( في هذه المرحلة ):
* الفهم لأفكار النهضة الكبرى.
* التبسيط والتمرير للشباب.
نحن نحتاج أن نشكل وعيا جديدا، يسمح لأكبر كتلة من الشباب أن تتحول لرافعة للنهضة، وهي مهمة ممكنة اليوم أكثر من أي يوم مضى. وبالتالي نحتاج فيها لرافعة وطاقات تحسن التلقي، وطاقات تحسن التبسيط والتحويل، وطاقات تحسن النقل والتوصيل. إن مشروع النهضة الحقيقي لا يكون حقيقيا إلا إذا عبر من بوابة الوعي، رؤية علمية مصقولة، وفهم للواقع مفكر فيه، وفهم للدين نقي كيوم أنزل، ومهارة في التعامل مع الواقع. تلك هي معادلة النجاح، وتلك هي المهمة التي نحتاج الشباب فيها. لأنها اللحظة التي تلتقي فيها أفكار النهضة مع الحساسية الجماهيرية، وبالذات الشباب منهم ويتمثلوها ويكتشفوا إمكانياتهم وما أودعه الله فيهم من طاقات عندها يصبح طريق التراكم طريقا يقود للإحتشاد ومن بعده ندخل التاريخ.إنها اللحظة التي نكتشف فيها الدين الحق.

Wednesday, December 16, 2009

امكانية العبور . . بين خوف الاجداد واقدام الاحفاد

نقلا عن موقع اكاديمية التغيير...تحت عنوان لا تعبر الشارع وحدك
بقلم: م/ وائل عادل
11/7/2006
"لا تعبر الشارع وحدك"...كلمات حانية... كم سمعتها من جدي الممسك بيدي لنعبر الشارع॥ حتى وأنا ابن الرابعة عشر، لم ينتبه أنني كبرت، وعليَّ أن أعبر بمفردي..وجدتني أتردد بعد ذلك في عبور الشارع.. أطيل النظر للسيارات القادمة، لأنني اعتدت أن يقودني جدي الأطول قامة مني، والأقدر على رؤية السيارت، ثم اتخاذ القرار الجريء بالعبور... لأعبر متترساً به। كنت أغبط زملائي الذين يعبرون وحدهم بجرأة، رغم أنهم قد يصغرونني سناً، لم يمسك أجدادهم بأيديهم، كانوا يرمقونهم من بعيد..


كان منطق جدي خوفه علي، وهدفه أن أعبر الشارع بسلام، ظننت حينها أن أجداد زملائي لا يخافون عليهم، ثم أدركت لاحقاً أن هدفهم كان تعليم أحفادهم كيف يعبرون، وليس مجرد العبور، كيف يتخذون القرار، وليس مجرد تلقي القرار للتنفيذ.
ما لم ينتبه له جدي أنني صرت أسرع منه، وتقديره لإمكانية العبور بالتأكيد يختلف عن تقديري، لأنه يقيس الإمكانية بسرعته وصحته هو। كان الأطفال يعبرون الشارع في رشاقة متنقلين بين السيارات، بينما أتحرك بسرعة شيخ وأنتظر حتى يفرغ الطريق من السيارات। وفي الوقت الذي لم يكن هؤلاء الأطفال يخشون العبور؛ كانت تتسارع دقات قلبي كلما أحكم جدي قبضته على يدي مع تدفق سيل السيارات، وأجده يتقدم خطوة ويرجع للخلف خطوة। أدركت أنه عندما تسود ثقافة القيادة الأبوية، ووصاية الكبير على الصغير، تعجز كثير من الأمم عن عبور شوارع التحديات لتصل إلى ميادين الحضارة، لأنها تُبتلى بأجيال متواكلة ممسوخة، لا تبادر ولا تطرح حلاً، منتظرة قرار الشيوخ. و تشيخ الأمم عندما تصاب بشيخوخة الفعل، وتفقد حسها بعامل الزمن، فيقوم ابن الثلاثين بالأفعال التي يُفترض أن يقوم بها ابن الثامنة عشر، ويتقلد من جاوز الخمسين زمام المواقع التي يجب أن تنبض فاعلية بابن الثلاثين. هذا الترحيل يؤدي إلى شيخوخة الأمة، شيخوخة على مستوى الأحلام والأهداف والاستراتيجيات، شيخوخة على مستوى الأداء، شيخوخة على مستوى صناعة الرموز في شتى المجالات. إنها حالة يمكن أن نطلق عليها "تصابي الشيوخ، وطفولة الشباب"، فالشيخ صار يقوم بعمل الشاب، والشاب يمسك بيد الشيخ خشية عبور الطريق، بحجة أن الشيخ أطول قامة وأقدر على رؤية السيارات القادمة من بعيد. إن شيخوخة الفعل تعني أن يتأخر الشاب عن الفعل عقداً، أن يحمل الأب ابنه في الوقت الذي يتمكن فيه من المشي، وأن يمسك الجد بيد حفيده في الوقت الذي يستطيع أن يعبر الشارع بمفرده، وأن يعطي الجد قرار العبور في الوقت الذي يجب اكتفاؤه بتقديم الرأي. وإذا طال الأمد بالأمم تفقد الحس بالشيخوخة، فلا يطمح الشاب في ممارسة دور الشباب، بل يتمسك بقيام الشيخ بدوره، ويحرص أن يمسك بيده. نحتاج اختزال هذه الفجوة الزمنية في مساحات الفعل. وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، ويتطلب هذا وعياً وجرأة، وعياً من الشيوخ بأن دورهم استشاري يزود الشباب برصيد ضخم من الخبرات، ويرمق عملية العبور، ووعياً من الشباب بقدرته على العبور، مدركاً أن أجداده ليسوا بالضرورة أقدر على الرؤية منه، فحدة البصر قد تضعف مع مرور العمر، ورصيد التجربة بقدر ما له دور إيجابي يستفاد منه؛ بقدر ما يحمل تأثيراً سلبياً إن كان الجد تعرض من قبل لحادث مرور، فأصيب بهاجس الخوف من العبور، مُوَرِّثاً إياه للشباب. ويتطلب الأمر جرأة في الفعل بعد هذا الوعي، جرأة من الشيوخ في دفع الشباب لاتخاذ القرارات والمبادرات مع تقديم النصح والخبرة، وجرأة التجربة من الشباب، حتى يتمرس اتخاذ القرار ويبصر الطريق بوضوح. إن الأمة ستستعيد فتوتها إذا أدركت مؤسساتها خطورة هذه الهوة بداية من مؤسسة الحكم وانتهاءً بمؤسسة الأسرة، وقررت أن تستدرك، بإعطاء الصلاحيات للجيل الجديد الحالم، وتأسيس لجان استشارية من الشيوخ. وها نحن نرى بشارات تطلقها ثلة مغامرة من الشباب -في عدة أقطار- تعشق الجلوس في عين العاصفة لتثبت أن هذا زمانها. مُرَوِّضَة مجالات السياسة والإعلام والفن والإدارة وغيرها، مؤمنة بإمكانية الفعل، وعازمة على رسم مستقبل جديد، وتتجلى انتفاضتها في مشاريع شبابية، تحمل كلها رسالة واحدة مفادها...هذا زماننا॥ وهذه هي لحظة العبور॥مؤمنين أن تأجيل تحركهم يكرس الشيخوخة، ويكرر المأساة بسلب الجيل الذي يليهم حقه، لقد أدركوا أن عصرهم يستنفرهم ليحلموا، ويكتبوا، ويتحدثوا عن آمالهم، ويحللوا ويطرحوا رؤاهم في عمليات التحول॥ إنهم أبناء المرحلة، وهم مهندسو المشروع الحضاري الذي يتمنونه... سحبوا أيديهم من قبضة أجدادهم بعد أن قبَّلوها قائلين.. "بإمكاننا العبور".


نقلا عن موقع اكاديمية التغيير



Friday, December 11, 2009

Monday, November 30, 2009

المفكر الجزائري .. مالك بن نبي


المفكر الجزائري .. مالك بن نبي
(1323-1393هـ = 1905-1973م)
المفكر الجزائري .. مالك بن نبي

من كتاب من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة – المستشار : عبد الله العقيل
معرفتي به :
تربطني بالمفكر الجزائري الأستاذ الكبير مالك بن نبي روابط فكرية ، حيث سعدت بقراءة أول كتاب له بالعربية وهو (الظاهرة القرآنية) وشدتني لقراءته والتمكن فيه المقدمة التي دبجتها براعة الأديب اللغوي الكبير الأستاذ محمود محمد شاكر ، فضلاً عن أن مترجم الكتاب الدكتور عبد الصبور شاهين من الزملاء الأعزاء الذين جمعتني وإياهم روابط العقيدة والعمل المشترك في ميدان الدعوة إلى الله فكان اضطلاعه بالترجمة حافزاً لي لقراءة كتاب عن مؤلف لا أعرفه من قبل ، ثم تتابعت قراءاتي لما صدر بعد ذلك من كتبه المترجمة إلى العربية والتي وجدت فيها نظرة تستوعب مشكلات الحضارة وحل معضلات العصر وبناء شخصية المسلم المعاصر ؛ البناء العقدي الايجابي المبني على النظر والتدبر في حقائق الكون والحياة والنفس الإنسانية ومساربها ومحاربة التخلف الفكري والحضاري لمواجهة ضرورات العصر ومنطلقاته ।
ثم شاء الله أن ألتقي المفكر الجزائري أول مرة في الكويت حين دعوناه للموسم الثقافي هناك أواخر الستينات ، وكان لنا معه حوارات وندوات وأحاديث ومناظرات ، خرجت منها بأن الأستاذ مالك بن نبي طراز فريد من المفكرين الذين يستخدمون العقل في تعضيد ما ورز بالنص ويؤثرون التحليل للمشكلات ودراستها استيعاب ويطرحون الحلول لمعضلات على ضوء التصور الإسلامي وفي ظل القرآن وهدي السنة .

من تلامذته :
ولقد تأثر به قطاع عريض من الشباب في المغرب والمشرق على حد سواء ، فكان منهم الأستاذ رشيد بن عيسى من الجزائر ، والأستاذ عمر مسقاوي من لبنان ، والأستاذ جودت سعيد من سوريا ، ود. عبد الصبور شاهين من مصر وغيرهم من الذين حملوا الفكر الإسلامي المعاصر ، فلقد كانت المدارس الفكرية للبنا والمودودي وسيِّد قطب ومالك بن نبي ، ينتظم في عدادها الألوف من شباب العالم الإسلامي والعربي على وجه الخصوص .

مؤلفاته وآثاره :
لقد أسهم الأستاذ مالك بن نبي بالعديد من المؤلفات التي ترجم بعضها إلى اللغة العربية كلها تدور حول مشكلات الحضارة وفي مقدمة هذه الكتب : كتاب (الظاهرة القرآنية) وكتاب (وجهة العالم الإسلامي) وكتاب (الفكرة الأفريقية الآسيوية) وكتاب (شروط النهضة) وكتاب (يوميات شاهد للقرن) وكتاب (مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي) وكتاب (آفاق جزائرية) وكتاب (المسلم في عالم الاقتصاد) وكتاب (لبيك) وكتاب (بين الرشاد والتيه) وكتاب (إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث) وكتاب (تأملات) وكتاب (في مهب المعركة) وكتاب (فكرة كومنولث إسلامي) وكتاب (القضايا الكبرى) وكتاب (مشكلة الثقافة) وكتاب (ميلاد مجتمع) وكتاب (من أجل التغيير) وكتاب (الصراع الفكري في البلاد المستعمرة) وكتاب (دور المسلم ورسالته في القرن العشرين) وغيرها كثير بالعربية والفرنسية .
ولقد أحدثت موضوعات هذه الكتب أثرها في توعية الشباب عن الاستعمار الغربي الذي يجثم على صدور الشعوب الاسلامية ، وأساليبه في إذلال هذه الشعوب ، كما تكلم مالك بن نبي عن النهضة وشرائطها والحضارة الغربية وطرق مواجهتها والشخصية المسلمة ومواصفاتها ، ولقد لفت الأستاذ مالك بن نبي نظر الأمة الاسلامية إلى أن الأخطر من الاستعمار هو القابلية للاستعمار ، لأن النفوس إذا ضعفت وانهزمت من داخلها فمعنى هذا أنها ستكون خير وعاء لاستقبال الاستعمار والرضا به والسير وراء حضارة الغالب والتخلي عن أمجاد الماضي وأصالته ، والالتصاق بكل ما يرد من المستعمر من خير وشر وحلو ومر وصواب وخطأ ، دون تمييز أن انتقاء بل بتقليد المغلوب للغالب والعبد للسيد ، وأوضح لها بأن القوي الغالب هو الله ، فلا غالب إلا الله ، وأن المسلم الحق هو الأعلى وأن الاسلام هو الدين الحق وأن المستقبل للاسلام .
ومن هذه النظرة المعتزة بدينها والمستعلية بإيمانها الآخذة بخير ما في الحضارات المعرضة عن سؤءاتها ، أهابت مؤلفات مالك بن نبي بأمة الاسلام أن لا تكون من عبيد الاستعمار وأن لا تكون مسخرة لأعماله ولا سوقاص لمنتجاته وأن لا تفقد أصالتها بتقليده في كل شيء حتى الأفكار كما يفعل المستغربون والمخدوعون بحضارة المستعمر من العلمانيين والحداثيين والإمعات الراكضين وراء كل ناعق .

مولده ونشأته :
إن الأستاذ مالك بن نبي الذي ولد سنة 1905م بمدينة قسنطينة بالجزائر وهو ابن الحاج عمر بن الخضر بن مصطفى بن نبي ، ثم انتقلت أسرته وهو طفل إلى بلدة (تبسة) وهناك بدأ يتردد على الكتاب لتعليم القرآن الكريم وفي نفس الوقت يدرس بالمدرسة الابتدائية حيث كان فيها متفوقاً وبعدها انتقل إلى التعليم الثانوي بمدينة (قسنطينية) وكان وقتها يحضر دروس الشيخ ابن العابد في الجامع الكبير والشيخ مولود بن مهنا .
وكان يميل إلى القراءة منذ صغره فقرأ في الشعر الجاهلي والأموي والعباسي ، وتأثر بشعر امرئ القيس والشنفري وعنترة والفرزدق والأخطر وأبي نواس وحتى أصحاب المدرسة الحديثة كحافظ إبراهيم ومعروف الرصافي وشعراء المهجر كجيران خليل جبران وإيليا أبو ماضي وكان بقرب بيته مقهى وبالقرب منها مكتب الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، فيلتقي فيه التيار الناشئ من المدرسين وأتباع ابن باديس حيث تأثر بهما كمدرستين أحدهما سياسية والأخرى إصلاحية ، وبعد التخرج من الثانوية مارس أعمالاً عدة ثم سافر إلى فرنسا سنة 1930م لغرض الدراسة في معهد الدراسات الشرقية فلم يتيسر له ذلك فسجل نفسه في (معهد اللاسلكي) ثم التحق بمدرس الكهرباء ، وتخرج من باريس مهندساً سنة 1935م وكانت دراسته تنصب في معرفة أمراض العالم عموماً الجزائر خصوصاً وتشخيص علاجها واقتراح الحلول لها. ويعتبر أن الدين أصل الحضارات، لأن الحضارة لا تظهر في أمة من الأمم إلا في صورة وحي من السماء يكون للناس شرعة ومنهاجاً .
وإن الدين إذا ضعف في نفوس أصحاب، فقد الإنسان جانبه الروحي والتصق بالأرض وما عليها التصاقاً يعطل ملكات عقله ويطلق غرائزه الدنيوية من عقالها لتعيده إلى مستوى الحياة البدائية. ثم رحل إلى مصر سنة 1956م ثم عاد إلى الجزائر سنة 1973م حيث توفي في شهر أكتوبر من العام نفسه.

أفكاره ومدرسته :
وقد أعطى الفكر الإسلامي عصارة أفكاره وخلاصة تجاربه واستقطب العديد من شباب المشرق والمغرب الذين اتخذوا من أفكاره مناهج للتعامل مع الحضارة المعاصرة بأخذ الصالح منها وإطراح الطالح وتسخير العقل لأعمال النظر في التراث الإنساني وإخضاعه للمقاييس والمعايير الإسلامية التي تريد للإنسان أن يعيش عزيزاً مكرماً في هذه الدنيا التي استخلفه الله فيها ليعمرها بعمل الخير وفعل المعروف وإحسان العبادة لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
إن الأستاذ مالك بن نبي – رحمه الله – كان شعلة نشاط وكان منظراً فكرياً ودارساً متعمقاً ، قد الفكر الإسلامي الأصيل الذي أعاد لشباب الأمة ثقته في دينه والتزامه بمفاهيمه وتطبيقه لأحكامه ، فالتقى تلامذته وحملة أفكاره بتلامذة المودودي ، وتلامذة سيد قطب ، فكان هؤلاء ومن قبلهم تلامذة حسن البنا هم ركائز الصحوة الإسلامية الراشدة في العالم الإسلامي كله وتيارها الديني الذي سيجرف بإذن الله كل المفاهيم والأفكار العلمانية التي نشرها الاستعمار وروج لها الغرب في ديار المسلمين .
وسيطرة الحل الإسلامي بديلاً عن الحلول المستوردة التي جنت على أمتنا وفرقتها شيعاً وأحزاباً وطوائف وقوميات ، فالحل الإسلامي هو فريضة وضرورة وهو العلاج لكل المشكلات والمجيب عن كل التساؤلات والمداوي لكل الجراحات .
من هذا المنطلق كانت كتابات هؤلاء العمالقة من المفكرين الإسلاميين ، تشد الشباب لتبروؤ مكان الصدارة والسير قدماً إلى الأمام في ركب الحضارة المعاصرة والتي تستلهم ماضي الأمة وأمجادها في شق طريقها نحو الحياة الحرة الكريمة في ظل الإيمان .
وإذا كان مالك بن نبي قد امتلك زمام التعريف الحضاري بمعظم جوانب العطاء الإسلامي للحضارة البشرية ، فإنني أرى أن الآثار التي خلفها لنا هذا المفكر الإسلامي هي بعض الزاد الحضاري الإسلامي الذي يمكن للمسلمين اليوم أن يطرحوه أمام العالم ، فالأفكار التي طرحها مالك بن نبي أفكار ناضجة في ميادين العلاقات الدولية والنظم السياسية والفكرية والثقافية والتربوية والتنموية مما تحتاجه المجتمعات البشرية الحديثة .
ولقد قدّم الأستاذ مالك بن نبي الأنظمة الإسلامية في قالب حضاري وأسلوب معاصر كما تمكن من تجزئة الاحتياجات الحضارية للمجتمعات البشرية حيث فصلها وطرح البديل الإسلامي مقارناً مع النظم الإنسانية الوضعية ، فكان بهذا الأسلوب صاحب مدرسة مقارناً مع النظم الإنسانية الوضعية ، فكان بهذا الأسلوب صاحب مدرسة نقلت في العالم جوهر الإسلام وبدائله التي تتقزم أمامها كل النظريات البشرية الوضعية ، الأمر الذي رسخ الاعتزام بالإسلام وحلوله في نفوس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وحصن أفكارهم التي كانت في مطلع هذا القرن تستهل قبول الفكر التغريبي المادي الذي سيطر فترة من الزمن على بعض العقول .

شهادة بحقه :
يقول الاستاذ الكبير أنور الجندي : (فقد العالم الإسلامي واحداً من أعلام الفكر الإسلامي الحديث هو الأستاذ مالك بن نبي المفكر الجزائري الذي قدم في السنوات الأخيرة عدداً من المؤلفات البارعة حول موضوع (الإسلام ومواجهة الحضارة) فهو موضوعه الأول وقضيته الكبرى التي حاول منذ أكثر من عشرين عاماً أن يقدم فيها وجهة نظر جديدة نابعة من مفهوم الإسلام نفسه ومرتبطة بالعصر في محاولة لإخراج المسلمين والفكر الإسلامي من احتواء الفكر الغربي وسيطرته وكسر هذا القيد الضاغط الذي يجعل الفكر الإسلامي يدور في الدائرة المغلقة التي نقله إليها اجتياح التغريب والغزو الثقافي لقيمه عن طريق المدرسة والثقافة والصحافة وفي محاولة لدفع المسلمين إلى التماس مفهومهم الأصيل والتحرك من خلال دائرتهم المرنة الجامعة القائمة على التكامل والوسطية والمستمدة لقيامها الأساسية من القرآن .
والجديد في دراسات مالك بن نبي ورسالته بالنسبة لمدرسة اليقظة الإسلامية المتصلة بالعرى منذ نادي الإمام محمد بن عبد الوهاب بأول صوت عال كريم في سبيل إيقاظ المسلمين على كلمة التوحيد في العصر الحديث ثم تتابعت الحلقات في دعوات متعددة قام بها الإمام محمد بن علي السنوسي ومحمد بن أحمد المهدي وجمال الدين ومحمد عبده ورشيد رضا وحسن البنا وغيرهم .
هذا والجديد أن حامل لواء هذه الفكرة رجل ولد في أول هذا القرن في الجزائر ، المحتلة بالاستعمار الفرنسي وقد ولد في قسنطينة التي خرجت الإمام عبد الحميد بن باديس ، وشهد في مطالع حياته ذلك الجو القاتم المظلم الذي حاول الاستعمار فيه أن يخرج الجزائر من الإسلام ومن اللغة العربية جميعاً ، وقد كانت له جذوره التي استمدها من بيئة مسلمة أصيلة حافظت على تراثها واستطاعت أن تعتصم بالقرآن ، فلما أن أتيح له أن يتم تعليمه أوفد إلى باريس ليدرس الهندسة في جامعتها ، فلم يصرفه ذلك عن معتقده وإيمانه فكان مثلاً للصمود في وجه اجتياح التغريب ومحاولة الاحتواء التي سيطرت على الكثيرين من أبناء المسلمين الذي أتيحت لهم الدراسة في الغرب ، فلما أن أتم دراسته وأحرز شهادته وجد الأبواب كلها قد أغلقت أمامه ، وأحس أن تصميمه على تمسكه بمعتقده سيحول بينه وبين الوصول إلى مكانته كمهندس وعالم ، فلم يثنه ذلك شيئاً وواجه الموقف في إيمان ورضا بكل شيء في سبيل أن لا تجتاحه الأهواء المضلة ، ولقد حاول الاستعمال معه كل محاولة من إغراء وتهديد حتى عزل والده في الجزائر عن عمليه واضطر مالك بن نبي أن يترك بيئته كلها وقد اتفاضت بدعوة ابن باديس ولجأ إلى مكة المكرمة فأقام بها ثم قدم القاهرة فأخرج فيها موسوعة عن الحضارة في أكر من سعبة عشر كتاباً كان يكتبها بالفرنسية ويترجمها الدكتور عبد الصبور شاهين إلى العربية ثم لم يلبث بعد أن توسعت اجتماعاته بالمسلمين في مكة والقاهرة أن حذق العربية وبدأ يكتب بها رأساً وكشف ن تلك الأزمة العاصفة التي تواجه المؤمنين الثابتين على عقائدهم في وجه الإغراء .

وقد قامت نظرة مالك بن نبي على مفهوم أسماه (القابلية للاستعمار) وقد دعا المسلمين إلى التحرز من هذا الخطر وذلك بالعودة إلى الاستمداد من مفهوم الإسلام الأصيل المحرر بالتوحيد عن وثنية العصر وماديته .. انتهى .

ندوة عن أفكاره :
وقد أقيمت ندوة دولية في ماليزيا سنة 1991م عن فكر مالك بن نبي وأطروحاته تحدث فيها كل من : أنور إبراهيم وزير المالية الماليزي والدكتور عبد الله عمر نصيف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي ونوقشت فيه أوراق عمل لكل من : أسماء رشيد من باكستان عن مقارنة الفكر الاقتصادي لدى كل من العلامة محمد إقبال خاصة كتاب (علم الاقتصاد) ومالك بن نبي خاصة كتابه (المسلم في عالم الاقتصاد) والورقة الثانية للدكتور عمار الطالبي من الجزائر وموضوعها (فكر مالك بن نبي وعلاقته بالمجتمع الإسلامي المعاصر) والورقة الثالثة للدكتور ظفر إسحاق الأنصاري من باكستان وموضوعها (رؤية مالك بن نبي وتقويمه للتيارات الفكرية والسياسية المختلفة التي تكمن وراء الأوضاع الراهنة في العالم الإسلامي) .
أما الورقة الرابعة فهي للبروفيسور محمد كمال حسن من ماليزيا وموضوعها (تأملات حول بعضها أفكار وأطروحات مالك بن نبي) .
أما الدكتور عبد الصبور شاهين أبرز من ترجموا مؤلفات مالك بن نبي من الفرنسية إلى العربية فقد قال : إن حياة مالك بن نبي ككاتب ومفكر عرفت طورين رئيسيين : طور ما قبل مصر ، حيث كان يعيش ما بين بلاده الجزائر ، وفرنسا التي تعلم فيها ، والطور الثاني يبتدئ بقدومه إلى القاهرة سنة 1956م ، حيث ابتدأت رحلته كمفكر إسلامي نتيجة احتكاكه برجال العلم والفكر الإسلامي ، وبدأ يتعرف على مصادر الثقافة الإسلامية الأصلية .
كما كانت صلته الطيبة برجال الحكم بمصر آنذاك مجالاً متنفساً للكتاب الإسلامي في ذلك الوقت حيث أن السلطات الثورية ، كانت قد ضربت حصاراً على الكتاب الإسلامي إبان حملتها الشرسة على الحركة الإسلامية. مضيفاً أنه في هذا الإطار كان يسرب كل ما يترجمه لمالك بن نبي إلى الشهيد سيد قطب داخل السجن .
إن مالك بن نبي – رحمه الله – كان أحد عمالقة الفكر الإسلامي في هذا العصر ، وقد قدم الفكرة الإسلامية ، وأحسن عرضها على جماهير الأمة الإسلامية خاصة شبابها الذي ترك فيهم الآثار الطيبة .
ومهما كان في هذه الأفكار من ملاحظات فهي بمجموعها تشكل رافداً من روافد الفكر الإسلامي المعاصر يمد الشباب بالزاد الفكري الذي يقف في وجه الأفكار المستوردة من الشرق والغرب على حد سواء .
رحم الله الأستاذ مالك بن نبي وجزاه الله عما قدم خير الجزاء .

من كتاب من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة – المستشار : عبد الله العقيل